منذ وقت، وقصائد أُخرى- جمال الدّين بن شيخ

ترجمة : مبارك وساط 



 منذ وقت

منذ وقت لم يَعُد شُبَّان المدينة يَجْرُؤون

على الالتفات صوب النَّهر

أصبحتِ الرّياح مائلةً

نظرةً إثْر نظرة انتقل الخبر

فقد كانت فراشة تَخطّ رسائل على الأسوار

في الحمّامات أحسّ المُدلّكون

بما يُشبِه الحجارة في عمق الأكتاف

أوائل حرّاثي الضّفاف المغمورة بالمياه

كانوا يعودون في صمت

الرّعاة بدؤوا فجأة يختبرون مقاليعهم

بالتّسديد إلى العقبان

بين الثّلج الأخير والرّيح الرّملية يُقال

إنّه لم يكن هناك سوى رفّة أهداب

وطُلب من المؤذّن الأعمى ألا يقرأ

أثناء صلاة المغرب سورا

تتحدّث عن علامات تولد منها

أجوبة متمرّدة

من مجاري الأنهار المنسية حيث ينمو الحنظل

عاد الأطفال بجراد أخضر يُؤكل مع العسل

الخيّاطون كانوا يقدّمون فساتينَ غامضةَ الأشكال

ومات أحدهم إذْ وخزَ وريدَ رُسغه

البحيرة المحاطة بالنّخيل

غطّت مُجَدّداً صخوراً زرقاءَ تسهر في مائها

مثلما أسماك قلقة

الأمّهاتُ انفصلن نهائياً عن أولادهن

حُرّاسٌ مُسَلّحون، مُولِينَ البحيرةَ ظهورهم، كانوا يمسِكون

بمقاودِ كلابٍ سَلوقيّة من دون بطون

أحَدُ مُعَلّمي المدارس أدرك أنّ السّبيل الأوحد

لنتخيّل الموت هو أن نَموت

وفيما كان بَنّاءٌ يرمّم جداراً ببيت قديم

عَثر على هيكل عظميّ لطفلٍ وليد

رائحةُ نخلةٍ ذكرٍ انبثقت ذات صباح

وبقيتْ معلّقة بالعوارض

اقتيدت العذارى إلى البحيرة وقد غُطّين

بشراشف سوداء

الشّمس لم تُغادر الأفق إلا في وقت متأخّر

من الليل ورُجِمَت من قِبَل النّجوم

اثنا عشر شابّاً تمّتْ رؤيتهم جهةَ التّلال

لم يعودوا إلى الظّهور

كما في كلّ سنة نَمَا البنفسج

على الصّخور

يُقالُ همْساً إنّ مغاراتِ الجبل

تحتوي هياكلَ عظميّة شابّة ممدّدة

في الوضع الذي تتخذه الأَجِنّة

لكنَّ أحداً لمْ يَمْضِ قطّ هنالك

لِيَرَى.

 

في نَظرة

في نَظْرَةٍ، كانت هنالك

طريق عميقة

في نَفَسٍ مفاجئ

كان ثمّةَ شفقٌ يتألّم

وَضَوْءٌ مُحَطَّم

خلْف قضبان هذا العالم

وكان الصَّمتُ صاحِبَ الحِصّة

الغنيّة بالِعَطاء.

 

أمسِكُك مثلما...

أمسككِ مثلما ذرّة لقاح

أو فتات تساقَطَ من شجرة لوز

أدنى تسرّع يمكن أن يكونَ له مفعولُ

عَصْفَةِ ريح

فيَقذفَ بكِ نحو الفضاء

ويقودَ الصّديق الواهن القوى

نحو اسمكِ الجديد

إذن، أَثني أصابعي

فَتَخْتَفين في ليلي.


اُرْسُمْ لي صداقةً

أَضَعُ لك قِطعةً نقديّة

على مُتّكأ النّافذة

ستكون دائماً من ذهب تحت الشّمس

وما عليك سِوى أنْ تُبَدِّد الضّباب

بنظرة.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قصائد أخرى لجمال الدّين بن شيخ، مع تعريف به وبإصداراته الأدبيّة : أربع قصائد - جمال الدّين بن شيخ