فراشة مِن هيدروجين (2008)

دار النّهضة العربيّة، بيروت، 2008- رابط تحميل المجموعة ـ pdf ـ : من هنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قصائد مِن "فراشة مِن هيدروجين" :

وقـــــائــــع
هذا الصّباح، لاحَـقـتـني
على امتداد شارع السّنجاب
حيثُ، دَوماً
أقوم بنزهتي-
شجرة ذاتُ أنفاس حَرَّى
ذاتُ قوائمَ وبريق عين
وحين ابتَسَمْـتُ
اِنقلبتْ شجرة عادية
لها جذورٌ وعصافير!
يا أنا يا أنا
ها هي خلفك الآن
فإذا غنّيتُما معا
سيُغْمى على الغيوم!
وأثناء الظّهيرة، كُنْتُ أمشي
على الشّاطئ
وكانتْ، أيضا، تتبعني!
كانت تثيرُ زوبعة رمل صغيرة!
فقلتيا أنا يا أنا
إنْ دغدغتَ إبْطها
فستهذي بأسمائك
إلا أنّ شيئاً من ذلك لمْ
يتحققْ فابْتَسَمْتُ
لكنّي تذكرْتُ غابةً بأكملِها
كانتْ، في واحَدٍ من أحْلام طفولتي
قد اجتُـثَّـتْ!
وفي لحظة التذكر الأليم تلك، حلَّ
الأملُ فجأة، إذ بدأتْ
غابتي الضّائعة
تتنامى، من جديد
أمام عينيّ
معافاةً، رهيفةً، منسابةً
على شكل شُعيرات سوداء
في عانة غادة
وقفتْ فجأة، وحيدةً، مَشيقةً
قُبالتي، واقتَرَبَتْ، جريئة...
ثمّ كان السّلطعون الذي
ينحتُ في الصّخر
وكان الأشيب الذي
يبيعُكَ رطل الكهرباء بدرهمين
وكانت مياه البحر
والفلكيّات البرمائيّات
اللواتي قد يخرجن في أية لحظة
من تلك المياه
ويمضين للتسكع في الحقول
آهالفلكيات عاشقاتُ الأعشاش!
وكانت الشمسُ تُلوّح جسدي
لكنْ لا شيءَ من هذا كلِّه
يُمكنُهُ أن يَعْدِل عندي
خطوةً
في شارع
السّنجاب!

 

حـكـايـة
رَجُل مفتول العضلات
يستطيعُ أنْ يُلاكِمَ الزَّبَد
مع هذا، جِدّ رقيق
رأى يَدَي الفجر تُقطعان
فأجهشَ بالبكاء
ومن دُموعه
تكوّنتِ اليدان مُجدّدا
أكثرَ من عشرين مرّة، نزل الدَّرَج
نحو غُرْفة الأحد
في كل مرَّة، يطرق الباب مُطَوّلاً
ولا من مُجيب
بَدأ شكُّه يَهصره
وأخيراً، أدرك أنّ الأحد قد اختفى
أنّ الأيام المُتبقِّية
في حِداد
وأنّه يطرقُ بابَ غُرفةٍ فارغة
إلا من رائحة الدّم
وبقايا كوابيس


لفائـف سحريـة (1)

نحن وحيدان في هذا المقهى

ولا نأمةَ تصلُ آذاننا، عدا

هسيسِ عِظام فجر

يَشيخ سعيداً

نُنصت، نُدخّن لفائفَ

سِحريَّة، يخفّ وزنُنا

نرتفعُ، مُبدّدَيْن في

الهواء، مَطراً

ونُدَف ثَلج...

الأرْضُ نفْسُها

داخَتْ، فما عادتْ تجتذبنا

ويبدو أنّها كفّتْ

عن الدّوران!

غربانٌ تحسبُ أنّها كواكب

بدأتْ تدور حولها


لفائف سحرية (2)

نُغنّي بألسنةِ الذين ركضوا

بِمُجرَّدِ ما وُلِدوا

فِيما ثلاثُ غيمات

تُحتضر حَوْل رأسينا

الأُمّهاتُ في هذا المقهى

أقلُّ من أسمائهنّ

دخّنّا ودخنا

فمضتْ عظامُنا

لِتؤازرَ أخانا المطر

أخانا السّاقط لكنّنا

نُبجّله

مِن الدّخان صُغْنا أطفالاً

دَلفوا إلى بطن أم

وهناك تلألؤوا

 

لفائف سحريّة (3)

مِن حولنا قلوبٌ صغيرة تُشقشِق

وصناديقُ يُقالُ فيها الحديد فيه

بأسٌ شديد

لكنّنا ندخّن وجداولُ النّسيم

بحُنُوّ تُلامس أكتافنا

نعلمُ أنّ جسدينا قد يضيعان

في هذه العاصفة

من التّصْفيق

الآبار محظورةٌ في هذا المكان

إنّه المقهى الذي وأدوا

تحْت آلام القمر

يَومها، تركْـنـا رأسينا في غابة

لِتستعملها العنادل

المضروبةُ الأعناق


تـرْسـو المُـرَبّـعات

رغْمَ أني مُخْترع

بارومتر الآلام

فقد سئمتُ المكوث في هذه الجزيرة

كلّما انزاحتْ نحو السّاحل

أقول: إنّه النّسيم الهائم

كلّما بدأنا نتأمّل الشّفق، كلّ

في قَعر كأسه

إلا وترسو قُرب رؤوسنا المُرَبّعات

التي تأسر بين أضلاعها العَصافير

ويوم أُعيدت إلينا أنْفاسُ الغابة

بدأتْ أرقامنا

تـتـبَـعُـنا!

ثمّ سقط وجهي الحجري

على وجهي

وها إنّي أزْمعْتُ الرحيل

بعيداً، بعيداً

حتّى مدينة المعارك

التي تنزلق على جُدرانها

الكدمات

حتّى ضِفّة النّهر الذي يُدَندن

كُلّما ابتسمَ فيه غريق


ذِكْـرى


كان عليّ أن أكون حاضراً

أثناءَ الاستقبال

أنْ أحتمل كلّ تلك القسوة

أنا الذي لمْ أقُلْ يوماً لجدول:

اُصمُتْ

أنا الذي كنْتُ أشْتري النّوم

بنقودٍ مسكوكة من أعصاب الجبين

ولا أرى في الحُلم سوى

شجرةٍ مِن ماء

فيها يغرقُ العُصْفور

وتنْطفئُ جمرةُ الرّيح

قم لتكون حاضراً للاستقبال

قال أبي

ذلك أنّ أَحَد أسلافنا

قدْ أبْحر

من ميناء الموتى

 

إنْ كُـنْـتُ مـنْـذُ الصّـبـاح...

لسْتُ من يُجاملأتركُ قلقاً ينْسابُ في بُلعومٍ أو في أنابيب القصب، حسَب الطقس وكيفَ هو مزاجُ زهرة الآس على كتف النّديمة ليناوإنْ كنتُ منذ الصّباح في هذه الحانة، جنب هذه النّافذة، بعظامي التي تتحمّسُ أيّامَ المآسي، فذلك للتعبير عن تضامنيمع مَن؟ يُسائلني بعينه المخمورة البدينُ الجالسُ قبالتي، وكنتُ حسبته يعلم...

 مع منمع أولئك الأقزام الذين جعلتْ منهم الغابة القريبة أشجارها القَصيرة! 

أُشيحُ بوجهي نحو النّافذة، فما الذي أراه في الأعالي؟

طيورٌ غريبة تحلّق فوق الغابة القريبة، التي جعلت من أولئك الأقزام المساكين أشجارها القصيرة!