أربع قصائد - جمال الدّين بن شيخ*

 ترجمة :   مبارك وساط

 

 

 1 -

مدينة الآخرين


أسيرُ على امتدادِ هذا الشّارع النَّسَّاء

أمتصّ الكلمات المنتفخة في لغة أجنبيّة

كلّ خطوة تقتلعني من جذر

ويداي تلامسان أحجاراً من دون أصداء.

كلّ شيء يعيدُ تشكيلي و يفتُّ في كبريائي

نظراتٌ ملساء

تُرْبِكُني. لا شيء يَدل عليّ، كل شيء يُشير إليّ.

أتعلّم التّواضع من بلّورةٍ تُركتْ للأصابع،

أنفكّ من علاماتي. زائغا عن ذاتي،

مبعَدا عنها، مُدمَّـرَ القِلاع،

أعقد العزم على أن أكون واحِدا.

أتقدّم في مرآة يُلْهِبُها زَبَدٌ حيّ.


2 -

الرّيحُ تُشَكّل نَـايَـاتِـهَـا الأرجوانيّة

لا حَظّ لي في العَيش إلا بين ظواهر

سحريّة واقعية

أنجرف على نسوغ النّباتات

عند الغروب شلالاتٌ تفكّ إسار مجموعة أولى

من صخور الشاطئ الزرقاء

التي هي أوراق في غابة، أبدا

لن تَـنْـفَـد

أباغِتُ التّاريخ في كلّ وَمـضة تَـنْـزو

على السّماء

بالسّكين أخلّص في اللحاء أقنعةً

الحقيقة عجبٌ عُجاب


3 -

ذِكْرَى

 

سأصقل بلساني ملح

جفونك الممزّقة

ستولد شمس من أهدابك

وعلى مهل أفكّ الطّحالب

من حول قدميك

فلا يبقى عالقا بهما

سوى ذكرى رقّة الزَّبَد  


4 -

العائلة المُقَدّسة


في عينَي شيخ يَموتُ جالسا 

على أحد أرصفة مومباي 

ليس هنالك الأبديّة 

هنالك ذباب


بين ذراعَي امرأة تضحكُ جالسة 

على رصيف بِمومباي 

ليس هنالك الحبّ 

هنالك جنين


بين ساقي رجل يرتعشُ جالساً 

على رصيف بمومباي 

ليس هنالك الرّغبة 

هنالك الجذام


في القبضة المنخورة لطفل جالس 

ما يزال به حراك

على رصيف في مومباي

ليس هنالك السّماء 

هنالك الخوف


في المرّة القادمة

ربما يُسعِفهم الحظّ 

ليكونوا فئراناً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


* Jamel Eddine Bencheikh

(1930 ــــــ 2005)

شاعر وباحث جزائريّ فرنكوفونيّ. اشتغل أستاذاً في جامعة باريس الثّامنة، وبعدها في جامعة باريس الرّابعة. اشتهر بدراساته عن الشّعر والنّقد العربيين، وله في هذا المجال كتابٌ معروف : "الشّعريّة العربيّة" ( غاليمار، 1998)، كما خصّ "ألف ليلة وليلة" بدراسة بعنوان: "ألف ليلة و ليلة أو القول الأسير" (غاليمار، 1988)، وأعاد ترجمتها رفقة أندري ميكال ( صدرت "ألف ليلة وليلة" في هذه التّرجمة عن سلسلة لا بلياد، غاليمار). وقدْ نقل إلى الفرنسية عددا من الأعمال لشعراء عرب معاصرين.

نشر عددا من المجموعات الشّعريّة، من بينها : " كان الصّمتُ قد لاذ بالصّمت" (الرّباط، 1981)، " خيميائيات" (بويغرام، 1991)، "الأعمى ذو الوجه البَرَدِيّ" ( جاك بريمون، 1999) وله رواية اقتبس فضاءاتِها من عوالم ثورة الزّنج: " وردة سوداء بلا عِطر" (ستوك، 1998)...