ستّة شُعراء مِن الغجر (الرّوما)

ترجمة : مبارك وساط 

هذه نصوص شِعريّة لشعراء من الرّوما أو الغَجر، وهؤلاء الأخيرون - كما هو معلوم - قوم لا يستقرّون طويلاً بمكان، فالتّرحّل ديدنهم ومساكنهم في الغالب مقطوراتهم. وقد ترجمتُ هذه النّصوص عن الفرنسيّة، وهي منشورة بهذه اللغة في العدد الثّاني مِن مجلّة سُوكوسّْ ـــ Secousse ــ  الأدبيّة :


جان ماري كِرفيش

Jean-Marie Kerwich

(1952، فرنسي)


الأيّام البسيطة

(مقتطفات)


الليلةُ نامت بين ذراعيّ. لا أريد أن يُوقِظها أحد: إنّها ليست إلّا طِفلة.

لو كان بإمكان النّار أن تبكي، لما كان المطرُ بمثل هذا الجمال.

بين أَلْفِ أبله، هنالك جاهل رائع.

في المساء، حين أُنهي وَجبتي، أخرج مِن مقطورتي : في الخارج يبدو الليل كأنّه ينتظرني، مثلما أُمّ.

إذ نبني الجدران، نَهْدِم الرّيح.

أقول لِنفسي أحياناً إنّي أودّ لو أكون غنيّاً. لكنْ ما الهَدف مِن ذلك؟ ثمّ مًن سيعتني بأفكاري الصّغيرة داخل مقطورتي، إذا تركتُها مِن أجل اكتساب ثروة ؟

لَكَم يَطيب لي أن أراقب الأشجار وهي تُسافِر ! إنّها تقوم بِوَقفة تحت كلّ نَجمة.


الملاك الذي يَعْرج

(مقتطفات)


حتّى الثّلج يَرغب، مثلما طفل، في هطول قليل مِن الثَّلج، فكلٌّ مِن عناصر الطّبيعة يُشبِهنا إلى حدّ كبير .

وما أجمل مَلامح اليَد التي ترتفع لتُحيّينا !

المقطورة التي يسكنها بوهيميّ هي قَصر أسفلَ شَجرة.

والخبز مَلك يمدّ لنا يديه.

كان الألم أستاذي لِلآداب.كنتُ الأوّلَ مِن بين الأخيرين، في آخر القِسم.

أسترجع مشهدي وذراعاي متقاطعتان على الطّاولة. في دفتري كنتُ أكتب أفكاراً تُشبه مسالك في حقلِ قمح. كلّ جملة كانت شبيهة بِوَرقة ميّتة أو بِحَجَر يتحوّل إلى قصيدة - في وقت ما كنتُ أعرف فيه ما هي القصيدة.

جُمَلي هنّ غجريّات صغيرات.

لا أُحِبّ أن أَكتب. إذا كنتُ أكتب، فذلك لأنّي لا أملك الحقّ في الصُّراخ. ولِذا تُعلِّمني رُوحي تَمرّداً وادعاً، تمرّدَ الفكر.


جامعُ نِفايات الكلمات

لن أكتب بعد الآن. سأتمرّن مِن جديد على جَهل الكتابة. العيش ككاتب لا يَنسجم مع حالي كمترحلّ. لستُ مُخَوَّلاً للأدب. أنا مِن جنس الأشجار. لستُ إلّا مُتشَرِّداً، جامعَ نفايات الكلمات، في منتهى مسار رُوحِي ألتقط أفكاراً . لقد كانت الأزهار البرّية، الأوراق الميّتة، المطر، الرّيح، الأشواك، الأشجار، هي التي طلبتْ منّي أن أتحدّث عن حياتها. كان ذلك قراراً سماويّاً. حين كنتُ أوقِد لهيباً في أعواد وأتجوّل في مسالك مجهولة، تعلّمتُ في نهاية المطاف أنْ أقرأ وأن أكتب. كانت الكتابة هي المقطورة التي أعيش فيها، وكانت قصائدي هي أحصِنتي، وأفكاري غجريّاتي الصَّغيرات. لكنّ عليّ الآن أن أعود إلى حياة التّرحال. عليّ أن أُجَهِّز قلبي وأن أرحل.

____________________

ألكسندر رومان

Alexandre Romanes

(1951، فرنسيّ)


لماذا كتبتُ ؟ ليست الكتابة من تقاليد الغَجَر. كان الشِّعر يبدو لي شديد العلوّ بالنِّسبة إليّ، وبمنأىً عنّي، والحياة، كنتُ أُريد أن أعيشَها لا أَن أكتبَها. وقد أقنعتُ نفسي، لكنَّ رأي السّماء كان مُختلفاً. ببطء، وعلى إيقاع الفصول التي تمرّ، ملأتُ دفتراً مدرسيّاً. ما أعرفه هو أنّ هنالك شُعراء أُكِنّ لهم الإعجاب. ربّما لم أحتمل أن أراهم يمرّون. أردتُ أن أكون واحداً منهم.

*

أنا صارم مع نفسي،

مع هذا، فأنا رقيق جِدّاً إزاءَ السّماء.

غَضباتي رهيبة.

في أيّ لحظة، قد يتوقّفُ قلبي

عن الخفقان.

*

جالساً على العشب،

وَعُودي على صَدري،

وصلتُ إلى أبعد ممّا وَصلَتْه

جيوش الإسكندر وقيصر.

لا تَلزم المرءَ أشياءُ كثيرة

ليكونَ سَعيداً.

____________________

كورولي باري

Károly Bari

(1952، هنغاريا - المَجَر-)


زيارة للمستشفى


تحت قميصي، أهو الموت الذي ينبض ؟

يلتهب جبيني دون أن يصبح جمراً،

أمّي تبكي، ويدها، تحت قميصي، ترتعش،

إنّها تُلامس عَظْمةً صارتْ ألْسِنة لَهب.

____________________

جوفان نيكوليتش

Jovan Nicolić

(1955، يوغسلافيا السّابقة)


الحُلم داخل الحُلم


أتخيّل حَالِماً أَنّي أَعبُر

واحدة مِن لياليكِ العادية

تحلمين بسماوات أُخرى

بآلهة أُخرى

وبذاتك في هذا البهاء.

أَخرج،

أَضع الرّسائل الفارغة جانباً وأُسبل

السّوادَ على حلمك،

ألمح عبر النّافذة قَمر الدّم

(أَمارة على أنّ الحرب ستندلع).


النّذير المشؤوم

تفهمين ذلك جيِّداً،

تسبرين أغوار الحلم

وتحلمين في حلمك بأن تحلمي

____________________

نيديلجكو تيرزيتش

Nedeljko Terzić

(1949، يوغسلافيا السّابقة)


الحَجر بين الأسنان


الشّمس والقمر هما أيضاً غَجَرِيان،

وحيدان، فقيران، حافيان

ليس لهما إلّا طريقهما نحو الله.

حين رأبتُ نفسي في الماء الأخضر

ومن جبهتي تُولَد ضفادع

وضعتُ عليَّ أحجاراً

لأهوِي وأموت في المياه

____________________

غوستاف ناجي

Gusztav Nagy

(1953، هنغاريا)


تَحوُّل


عصفوري أسير،

حِصاني مُعَرقَل،

كلبي مُقَيَّد بِحبل.

أُلقي نظرةً حَوَاليّ،

أراني

حُرّاً،

قويّاً،

قادِراً على العَضّ.